ارتفاع أعداد ضحايا الطرق بمصر رغم تطويرها.. تساؤلات واقتراحات

32

القاهرة – لا تزال حوادث الطرق في مصر تلقي بظلال قاتمة على أعداد المصابين والقتلى في كل عام، رغم ما تبذله الدولة من جهود لتطوير البنية التحتية من طرق ومحاور وجسور، جلبت لها الكثير من الانتقادات سواء بسبب حجم الإنفاق الضخم عليها أو تسببها في هدم منازل وقطع أشجار.

وعادت أعداد وفيات حوادث الطرق للارتفاع مجددا بشكل مقلق، وفق ما أظهرته النشرة السنوية لنتائج حوادث السيارات والقطارات لعام 2021، حيث قفزت إلى 7101 وفاة عام 2021 مقابل 6164 وفاة عام 2020 بنسبة ارتفاع 15.2%.

وأوضحت النشرة التي أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الثلاثاء الماضي، أن عدد الإصابات انخفض إلى 51 ألفا و511 إصابة، مقابل 56 ألفا و789 إصابة عام 2020 بنسبة انخفاض 9.3%.

إنفاق ضخم على الطرق

تأتي هذه الزيادة المطردة في عدد ضحايا الطرق رغم ما كشفه كتاب “الرؤية والإنجاز”، الذي يتضمن المشروعات التنموية في مصر خلال الفترة من 30 يونيو/حزيران 2014 حتى 30 يونيو/حزيران 2021، بشأن حجم المشروعات الضخمة التي نفذتها الدولة خلال هذه الفترة في قطاع النقل.

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن مصر أنفقت 1.3 تريليون جنيه (نحو 84 مليار دولار) على مشروعات الطرق والجسور وتطوير السكة الحديد وخطوط مترو الأنفاق والجر الكهربائي خلال آخر 7 سنوات في الفترة من 2014 وحتى 2021.

وبحسب الكتاب نفسه، تشمل خطة الدولة إنشاء شبكة طرق جديدة بأطوال 7 آلاف كلم، بالإضافة إلى 10 آلاف كلم أطوال طرق يجري ازدواجها ورفع كفاءتها، إلى جانب ألف جسر ونفق، و22 محورا علويا لربط شرق وغرب النيل بالوجهين القبلي والبحري، فضلا عن تطوير شبكة السكة الحديد ومترو الأنفاق.

وذهب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أبعد من هذا الرقم في قطاع النقل، إذ قدّر خلال لقائه بعدد من الإعلاميين في أعقاب افتتاح عدد من مشروعات النقل في الثالث من يوليو/تموز الجاري، حجم الإنفاق على قطاع النقل بنحو تريليون و700 مليار جنيه.

وتقول صحف ومواقع محلية إنه رغم الجهود الكبيرة التي تقوم بها الدولة المصرية لتحسين وتطوير قطاع النقل، فإن حوادث الطرق تعد أزمة كبيرة يتجاوز ضحاياها في مصر عدد الضحايا في الدول الصناعية بنحو 10 أضعاف.

وبلغ عدد حوادث القطارات 978 حادثا عام 2021 مقابل 898 حادثا عام 2020 بنسبة ارتفاع 8.9%، أدت إلى وفاة 405 أشخاص مقابل 296 متوفى بنسبة ارتفاع 36.8%، فى حين بلغ عدد المصابين 769 مصابا مقابل 525 مصابا بنسبة ارتفاع 46.5%.

حوادث مروعة

وخلال الشهر الجاري، شهدت مصر حوادث مروعة، حيث لقي 25 شخصا مصرعهم وأصيب 35 آخرون في حادث تصادم بين حافلة كانت تقل 50 راكبا وشاحنة في محافظة المنيا (300 كيلومتر جنوب القاهرة) وسط تعاز عربية رسمية لمصر.

وفي حادث مؤسف آثار تعاطفا واسعا في الشارع المصري، لقي 4 أطفال مصرعهم غرقًا وأصيب 13 آخرون في حادث انقلاب حافلة في ترعة السلام في الطريق الواصل بين محافظتي دمياط والدقهلية.

وكانت الحافلة تُقلّ 30 طفلًا من حفظة القرآن الكريم، وقالت وسائل إعلام محلية إنهم كانوا يحملون المصاحف في أيديهم وقت غرقها بعد فوزهم في مسابقة لحفظ القرآن.

ونعى شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب الضحايا، ووجّه بصرف مساعدات مالية عاجلة لأسرهم، كما كلّف وفدا أزهريا بتقديم واجب العزاء.

وجاء الحادث بعد واقعة مفجعة أخرى، لقي خلالها 7 أطفال -بينهم 6 أشقاء- مصرعهم إثر حادث انقلاب “تروسيكل” بترعة في محافظة الأقصر جنوبي البلاد.

التطوير وحده ليس كافيا

هذه المفارقة بين تطوير الطرق وارتفاع أعداد الضحايا دفعت خبراء ومراقبين لانتقاد حجم الإنفاق الكبير على تطوير شبكة الطرق والنقل وما صاحبه من عمليات إزالة لكثير من الأشجار والشوارع والأحياء السكنية، وتركيزها على الربط بين المدن الجديدة والبعيدة، التي لا تعاني من تكدس سكاني، مقابل حجم إنفاق أقل بكثير في مناطق الازدحام والاكتظاظ في الدلتا ووادي النيل، ورغم ذلك تشهد حوادث متكررة وقاتلة.

في هذا الإطار، تواصل محافظة القاهرة وحدها إزالة نحو ألف عقار في 6 مناطق، بسبب تعارض تلك العقارات مع مسار عدد من المحاور أو الطرق، من بينها مناطق بحي مصر القديمة والمطرية، وأخرى في منطقة ألماظة شرق العاصمة.

ويعتقد عضو لجنة النقل والمواصلات في البرلمان المصري سابقا محمد فرج أن “استمرار وقوع ضحايا كثر في حوادث الطرق يؤكد أن تطوير شبكة الطرق أو زيادتها أو تغليظ العقوبات المرورية ليس كافيا، ويجب زيادة سرعة الاستجابة للحوادث على الطرق من خلال انتشار مراكز إسعاف وإنقاذ، وتطوير أجهزة المراقبة والتتبع والإرشاد”.

وأوضح فرج، في تصريحات للجزيرة نت، أنه يجب الاهتمام بتطوير شبكة الطرق في مناطق التكدس السكاني بين مدن الدلتا والصعيد، والعمل على تزويد المناطق التي يقع فيها أغلب محافظات الجمهورية بالأدوات والأجهزة والعناصر البشرية الكافية، لمراقبة الطرق وتقديم الخدمات العاجلة، ومن دونها سوف يستمر مسلسل نزيف الأسفلت بأرقام مقلقة.

العنصر البشري هو المسؤول الأول

يرجع استشاري تخطيط وهندسة المرور والسلامة المرورية اللواء دكتور أيمن الضبع أسباب الحوادث وما ينجم عنها من سقوط ضحايا إلى 3 أسباب رئيسية، هي: المركبة والطريق والعنصر البشري، مشيرا إلى ضرورة ضبط المنظومة بالكامل للحد من حوادث الطرق، لكنه اعتبر العنصر البشري هو المسؤول الأول بنسبة 80% إلى 90% عن الحوادث.

إلى جانب التطوير الكبير الذي تشهده البلاد في البنية التحتية وشبكة النقل والمواصلات، يشير الضبع إلى أن الدولة قامت بالتوازي بتطوير التشريعات الخاصة بقوانين المرور، وطالب في تصريحات متلفزة بتشكيل مجلس أعلى للسلامة على الطرق، يكون مكونا من جهات عدة ويكون مستقلا.

في حين تقدّم عضو مجلس الشيوخ ياسر الهضيبي باقتراح يتعلق بزيادة تطبيق معايير الأمان وتطبيق نظام النقاط السوداء بغرض مواجهة مسلسل حوادث الطرق التي تقع بسبب الإهمال والاستهتار، مثل زيادة السرعة، وعدم اتباع التعليمات المرورية، وتعاطي البعض المواد المخدرة، والتراخي في تطبيق معايير الأمان.

ورغم تحسين جودة الطرق في مصر ورفعها إلى المرتبة 28 من حيث جودة الطرق في العالم بعد أن كانت تحتل المرتبة 188، بحسب تصريحات صحفية للهضيبي، فإن ذلك لم يمنع زيادة معدلات نزيف الأسفلت ودق ناقوس الخطر، مع الأخذ في الاعتبار أن معظم التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تشير إلى أن أكثر من 75% من حوادث الطرق سببها العنصر البشري. وبهدف تقليل عدد الحوادث وضبط سير المركبات على الطرق، شددت الحكومة المصرية من عقوبات المخالفين لقواعد المرور.

ويقترب البرلمان المصري من وضع اللمسات الأخيرة لتعديل قانون المرور الجديد الذي يتضمن عقوبات مغلظة ومخالفات جديدة متشددة، تصل إلى السجن والغرامة والحرمان من القيادة، ولكنها -بحسب مراقبين- لن تكون رادعة في ظل التراخي في تطبيقها.



اقرأ المقال من المصدر